فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة البروج:
قوله جل ذكره: (بسم الله الرحمن الرحيم).
(بسم الله) اسم من لا عقل يكتنهه، اسم من لا مثل يشبهه، اسم من لا فهم، يرتقي إليه بالتصوير، اسم من لا علم ينتهي إليه بالتقدير، اسم من لم يره بصر إلا وأحد- وهو أيضًا مختلف فيه، اسم لا يجسر أحد أن يتكلم بغير ما أذن فيه، اسم من لا قطر يحويه، ولا سر يخفيه ولا أحد يصل إلى معرفته إلا من يرتضيه.
قوله جلّ ذكره: {وَالسماء ذَاتِ البروج}.
أراد البروج الاثني عشر.
{وَالْيوم الموعود}.
يوم القيامة.
وجوابُ القَسَم قوله: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لشديد}.
قوله جلّ ذكره: {وَشَاهِدٍ ومشهود}.
يقال: الشاهدُ اللَّهُ، والمشهود الخَلْقُ.
ويقال: الشاهدُ الخَلْقُ، والمشهود اللَّهُ؛ يشهدونه اليوم بقلوبهم، وغداً بأبصارهم.
ويقال: الشاهدُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم، والمشهود القيامة، قال تعالى: {وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاَءِ شهيداً} [النساء: 41]، وقال في القيامة: {ذلِكَ يوم مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يوم مَّشهود} [هود: 103].
وقيل: الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عَرَفة.
ويقال: الشاهدُ المَلَكُ الذي يكتب العمل، والشاهدُ الإنسانُ يشهد على نفسه، وأعضاؤه تشهد عليه؛ فهو شاهد وهو مشهود.
ويقال: الشاهدُ يوم القيامة، والمشهود الناس.
ويقال: المشهود هم الأمة لأنه صلى الله عليه وسلم يشهد لهم وعليهم.
ويقال: الشاهدُ هذه الأمة، والمشهود سائر الامم.
ويقال: الشاهدُ الحجر الأسود لأنَّ فيه كتاب العهد.
ويقال: الشاهدُ جميعُ الخَلْق؛ يشهدون لله بالوحدانية، والمشهود الله.
ويقال: الشاهدُ الله؛ شهد لنفسه بالوحدانية، والمشهود هو لأنه شهد لنفسه.
{قتل أَصْحَابُ الأخدود (4) النَّارِ ذَاتِ الوقود (5)} أي لُعِنوا. و{الأخدود}: الحفرة في الأرض إِذا كانت مستطيلةً، وقصتهم في التفسير معلومة و{الوقود} الحطب.
وهم أقوامٌ كتموا إيمانَهم فلما عَلِمَ مَلِكُهم بذلك أضرم عليهم ناراً عظيمة، وألقاهم فيها. وآخِرُ مَنْ دَخَلَها امرأةٌ كان معها رضيعٌ، وهَمَّت أن ترجع، فقال لها الولد: قِفي واصبري... فأنت على الحقِّ.
وألقوها في النار، واقتحمتها، وبينا كان أصحابُ الملك قعوداً حوله يشهدون ما يحدث ارتفعت النارُ من الأخدود وأحرقتهم جميعاً، ونجا من كان في النار من المؤمنين وسَلِموا.
قوله جلّ ذكره: {وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلآَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحميد الذي لَهُ مُلْكُ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ على كُلِّ شيء شهيد}.
ما غَضبوا منهم إلاَّ لإيمانهم.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ الَّذينَ فَتَنُواْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عذاب جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عذاب الحريق}.
أي أحرقوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا عن كفرهم {فَلَهُمْ عذاب جَهَنَّمَ}: نوعٌ من العذاب، {وَلَهُمْ عذاب الحريق}: نوع آخر.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ الَّذينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الكبير}.
{ذَلِكَ الْفَوْزُ الكبير}: النجاة العظيمة.
{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لشديد}.
البطشُ الأخذ بالشدة.
{إِنَّهُ هُوَ يُبِدِئُ ويعيد}.
يُبدئُ الخلق ثم يُعيدُهم بعد البعث.
ويقال: يبدئ بالعذاب ثم يُعيد، وبالثواب ثم يُعيد.
ويقال: يبدئ على حُكْم العداوة والشقاوة ثم يعيد عليه، ويبدئ على الضعف ويعيدهم إلى الضعف.
ويقال: يبدي الأحوال السَّنيَّة فإِذا وقعت حجبة يعيد ثآنية.
ويقال: يبدي بالخذلان أموراً قبيحة ثم يتوب عليه، فإذا نَقَضَ توبتَه فلأَنه أعاد له من مقتضى الخذلان ما أجراه في أول حاله.
ويقال: يبدي لطائفَ تعريفه ثم يعيد لتبقى تلك الأنوار أبداً لائحةً، فلا يزال يبدي ويعيد إلى آخر العمر.
قوله جلّ ذكره: {وَهُوَ الْغَفُورُ الودود}.
{الغفور} كثيرُ المغفرة، {الودود} مبالغة من الوَادِّ، ويكون بمعنى المودود؛ فهو يغفر له كثيراً لأنه يَوَدُّهم، ويغفرُ لهم كثيراُ لأنهم يودُّنه.
قوله جلّ ذكره: {ذُو العرش المجيد}.
ذو المُلْكِ الرفيع، والمَجْد الشريف.
{فَعَّالٌ لما يريد}.
لأنه مالِكٌ على الإطلاق؛ فلا حجر عليه ولا حَظْرَ.
قوله جلّ ذكره: {هَلْ أَتَاكَ حديث الجنود}.
الجموع من الكفار.
{فِرْعَوْنَ وثمود}.
وقد تقدم ذكر شأنهما.
{بَلِ الَّذينَ كَفَرُواْ في تكذيب}.
{الَّذينَ كَفَرُواْ} يعني مُشْرِكي مكة؛ {فِى تَكْذيبٍ} للبعث والنشر.
{وَاللَّهُ مِن وَرَآئِهِم محيط}.
عالمٌ بهم.
{بَلْ هُوَ قرآن مجيد (21) فِي لَوْحٍ محفوظ (22)}
{فِى لَوْحٍ محفوظ} مكتوبٍ فيه. وجاء في التفسير: أنَّ اللوحَ المحفوظ خلق من دُرَّةٍ بيضاء، دِفَّتَاه من ياقوته حمراء عَرْضُها بين السماء والأَرض، وأعلاه متعلق بالعرش، وأسفله في حجر مَلَكٍ كريم.
والقرآن كما هو محفوظ في اللوح كذلك محفوظ في قلوب المؤمنين، قال تعالى: {بَلْ هُوَ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ في صُدُورِ الَّذينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] فهو في اللوح مكتوبٌ، وفي القلوبِ محفوظ. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سورة البروج فِيهَا آيَتَانِ:
الْآيَةُ الأولى قوله تعالى: {وَشَاهِدٍ ومشهود} فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الأولى:
الشَّاهِدُ فَاعِلٌ مِنْ شَهِدَ، وَالْمَشهود مَفْعُولٌ مِنْهُ، وَلَمْ يَأْتِ حديث صَحِيحٌ بِعينهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُطْلَقَ على كُلِّ شَاهِدٍ ومشهود.
وَقَدْ رَوَى عَبَّادُ بْنُ مَطَرٍ الرَّهَاوِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قولهِ: {وَشَاهِدٍ ومشهود} قال: «الشَّاهِدُ يوم الْجُمُعَةِ، وَالْمَشهود يوم عَرَفَةَ».
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال: الشَّاهِدُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اللَّهَ وَرُسُلَهُ وَالْمَلَائِكَةَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْحجر الْأَسْوَدَ.
وَقَدْ يَكُونُ الْمَشهود عَلَيْهِ الْإِنْسَانَ، وَالْمَشهود فِيهِ يوم الْجُمُعَةِ، وَيوم عَرَفَةَ، وَيوم النَّحْرِ، وَأَيَّامَ الْمَنَاسِكِ كُلَّهَا، وَيوم الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ إلَى التَّخْصِيصِ سَبِيلٌ بِغَيْرِ أَثَرٍ صَحِيحٍ.
المسألة الثانية:
إذَا كَانَ الشَّاهِدُ اللَّهَ فَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهُ وَمتعلقهُ فِي الْأَمَدِ الْأَقْصَى، وَإِذَا كَانَ الرَّسُولَ وَالْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ قال سبحانه: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ على النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شهيدا} وَهَذَا إذَا تَتَبَّعْته بِالْأَخْبَارِ وَجَدْته كَثِيرًا فِي جَمَاعَةٍ.
وَأَمَّا الْمَشهود فَعَلَّقَهُ بِكُلِّ مَشهود فِيهِ، ومشهود عَلَيْهِ، ومشهود بِهِ، حَسْبَ متعلقاتِ الْفِعْلِ بِأَقْسَامِ الْمَفْعُولِ فَإِنَّهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ صَحِيحٌ سَائِغٌ لُغَةً وَمَعْنًى، فَاحْمِلْهُ عَلَيْهِ وَعَمِّمْهُ فِيهِ.
الْآيَةُ الثانية قوله تعالى: {قتل أَصْحَابُ الأخدود} فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
المسألة الأولى:
ثَبَتَ عَنْ صُهَيْبٍ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلما كَبِرَ قال لِلْمَلِكِ: قَدْ كَبِرْت، فَابْعَثْ لِي غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ؛ فَبَعَثَ إلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إذَا سَلَكَ رَاهِبٌ قَعَدَ إلَيْهِ، وَسَمِعَ كَلَامَهُ، وَأَعْجَبَهُ، فَكَانَ إذَا أَتَى السَّاحِرُ مَرَّ بِالرَّاهِبِ، فَقَعَدَ إلَيْهِ، وَإِذَا أَتَى السَّاحِرُ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إلَى الرَّاهِبِ، فَقال: إذَا خَشِيت السَّاحِرَ فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا خَشِيت أَهْلَك فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ أَتَى على دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتْ النَّاسَ، فَقال: الْيوم أَعْلَمُ السَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمْ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ، فَأَخَذَ حجرا وَقال: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إلَيْك مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقتل هَذِهِ الدَّابَّةَ، حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقتلهَا، وَمَضَى النَّاسُ؛ فَأَتَى إلَى الرَّاهِبِ فَأَخْبَرَهُ، فَقال لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ، أَنْتَ الْيوم أَفْضَلُ مِنِّي، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِك مَا أَرَى، وَإِنَّك سَتُبْتَلَى، فَإِنْ اُبْتُلِيت فَلَا تَدُلَّ على؛ فَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ، فَسَمِعَ بِهِ جَلِيسُ الْمَلِكِ وَكَانَ قَدْ عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقال: لَك مَا هُنَالِكَ أَجْمَعُ
إنْ شَفَيْتنِي قال: إنِّي لَا أَشْفِي أحدا، إنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاَللَّهِ دَعَوْت لَك فَشَفَاك.
فَآمَنَ بِاَللَّهِ؛ فَشَفَاهُ اللَّهُ.
فَأَتَى الْمَلِكُ فَجَلَسَ إلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقال لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْك بَصَرَك؟ قال: رَبِّي.
قال: وَلَك رَبٌّ غَيْرِي، قال: رَبِّي وَرَبُّك اللَّهُ.
فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى دَلَّ على الْغُلَامِ.
فَجِيءَ بِالْغُلَامِ، فَقال لَهُ الْمَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ، قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِك مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقال: إنِّي لَا أَشْفِي أحدا إنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ.
فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ على الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِك، فَأَبَى، فَدَعَا بِالْمِنْشَارِ، فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ على مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ، حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِك، فَأَبَى، فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ؛ ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ فَقال لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِك فَأَبَى، فَدَفَعَهُ إلَى نَفَرٍ، مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقال: إذهَبُوا بِهِ إلَى جَبَلِ كَذَا كَذَا، فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ، فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَقال: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شئت، فَرَجَفَ بِهِمْ الْجَبَلُ، فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إلَى الْمَلِكِ، فَقال لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُك؟ فَقال: كَفَانِيهِمْ اللَّهُ.
فَدَفَعَهُ إلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقال: إذهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ.
فَذَهَبُوا بِهِ.
فَقال: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شئت، فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ، فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إلَى الْمَلِكِ؛ فَقال لَهُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُك؟ فَقال: كَفَانِيهِمْ اللَّهُ.
فَقال لِلْمَلِكِ: إنَّك لَسْت بِقَاتِلِي، حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُك بِهِ.
قال: وَمَا هُوَ؟ قال: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَأحد، وَتَصْلُبُنِي على جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعْ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي؛ فَإِنَّك إذَا فَعَلْت ذَلِكَ قتلتنِي.
فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَأحد، وَصَلَبَهُ على جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قال: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ على صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ.
فَقال النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، فَأَتَى الْمَلِكُ، فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت مَا كُنْت تَحْذَرُ؟ قَدْ وَاَللَّهِ نَزَلَ بِك حَذَرُك، قَدْ آمَنَ النَّاسُ بِرَبِّ الْغُلَامِ؛ فَأَمَرَ بِالأخدود فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ؛ فَخُدَّتْ، وَأَضْرَمَ النَّارَ، وَقال: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ فَفَعَلُوا، حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقال الْغُلَامُ: يَا أُمَّهُ، اصْبِرِي، فَإِنَّك على الْحَقِّ، فَاقْتَحَمَتْ»
.
المسألة الثانية:
أَصْحَابُ الأخدود هُمْ الَّذينَ حَفَرُوهُ مِنْ الْكُفَّارِ، وَهُمْ الَّذينَ رَمَوْا فِيهِ الْمُؤْمِنِينَ، فَكَانَ لَفْظُ الصُّحْبَةِ مُحْتَمَلًا، إلَّا أَنَّهُ بَيَّنَهُ وَخَصَّصَهُ آخِرَ الْقول فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ لَهَا وَالرَّابِعَةِ مِنْهَا، وَهُمَا قولهُ: {إذْ هُمْ عليها قعود وَهُمْ على مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شهود}.
المسألة الثَّالِثَةُ:
هَذَا الْحديث سَتَرَوْنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَفْسِيرَهُ فِي مُخْتَصَرِ النَّيِّرَيْنِ، وَاَلَّذي يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ هاهنا أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْغُلَامَ صَبَرَا على الْعذاب مِنْ الْقتل، وَالصَّلْبِ، وَإِلْقَاءِ النَّفْسِ فِي النَّارِ، دُونَ الإيمان.
وَهَذَا مَنْسُوخٌ عِنْدَنَا حَسْبَمَا تَقَرَّرَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ. اهـ.